Categories
Posts

لماذا يسمح إله صالح بفيروس كورونا؟

إن كان الله يريد أن يزيل الشر والألم ولا يستطيع
إذًا فهو عاجز
إن كان الله يستطيع أن يزيل الشر والألم ولا يريد
إذًا فهو شرير
إن كان الله يستطيع ويريد أن يزيل الشر والألم
فمِن أين يأتي الشر والألم؟
أبيقور، فيلسوف يوناني، ٣٠٠ ق.م

لماذا يسمح إله كلي القدرة وكلي الصلاح بفيروس كورونا المستجد؟ لماذا يسمح أن يجتاح مثل هذا الوباء العالم فيقلب العالم رأسًا على عقب ويقضي على أضعف من في البشرية؟ لا أنوي الشروع في إيجاد حلًا- في مقالي القصير هذا- لقضية الشر والألم والتي كُتب فيها آلاف المجلدات عبر آلاف السنين، ولكن ما أستطيع وأنوي فعله هو المشاركة بآرائي الشخصية حول هذا الموضوع العصيب، آملة أن يُسهم مقالي في تشجيعنا في هذه الأوقات العصيبة

فكِّر معي في “صديق العمر”.. ربما صديق من أيام الطفولة أو أحد الأقارب أو شريك الحياة، تربطكم سنوات طويلة من الصداقة القوية. قد اجتازتما معًا في “الحلو والمر” فتعرفه أكثر مما يعرف نفسه. هل يمكن لمثل هذه الصداقة القوية أن تنهار بسبب اختلاف واحد في الرأي؟ أرجو أن لا يحدث هذا! كما أعتقد أن صديقك سيكون له نفس الرجاء

ولأننا عندما نتحدث عن علاقتنا بالله، لا نتحدث عن علاقة دامت مدى العمر فحسب، بل نتحدث عن تاريخ من الأمانة والإخلاص دام لقرونٍ طويلة.. بل ومنذ تأسيس العالم، فأرجو أن تسمحوا لي أن نفترض حسن النية في الله لبضعة دقائق

خلق الله كونًا كاملًا يخلو من فيروس كورونا المستجد وخلق الإنسان كاملًا في شركة كاملة معه، بل وأعطاه سلطانًا وأوكله على الخليقة بأكملها. لم يكن هناك أي وجود لكورونا أو لكوارث طبيعية أو للألم أو للمعاناة أو حتى للموت. لكننا اعتقدنا أنه بإمكاننا أن نقود العالم بمفردنا، اعتقدنا أنه بإمكاننا أن نحدد ما هو الخير والشر لأنفسنا، وما فعلناه هو أننا طلبنا من الملك أن يتنحى لأننا كنا نبغي أن نملك على أنفسنا. هذا الحدث، الذي يسمى السقوط، غيّر كل شيء. ففجأة أصبحنا نعاني من عداوة بيننا وبين مصدر حياتنا، الله (بسبب الخطية)، وعداوة بيننا وبين بعضنا البعض (آدم وحواء يلومان بعضهما بعضًا)، وعداوة بيننا وبين الخليقة (الأرض تنبت شوكًا وحسكًا)، بل وعداوة بيننا وبين أنفسنا فالخطية تغلغلت إلى أعماقنا ودمرتنا أنطولوجيًا- أي كياننا الداخلي

نحتاج أن نتجاوز رؤيتنا المحدودة للخطية على أنها حدث فردي قام به فردان ولا يجب أن نتحمل نحن عواقبه بعد مئات القرون. علينا أن نُميّز بين الخطايا أو الأفعال التي نقوم بها (لفظة همارتيا باليونانية -أي عدم إصابة الهدف) وبين حالة الخطية التي نجد أنفسنا بها بعد السقوط (لفظة أنوميا باليونانية -أي حالة التعدي والعيش بلا ضابط وبلا قانون). أحدث السقوط حالة من الخطية غيّرت كل شيء

أجسادنا أصبحت عُرضة للأمراض والموت. فقدنا القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ فأصبحنا في حالة أخلاقية عشوائية؛ فلا نعرف يميننا من شمالنا (يون ٤: ١١). نفسيًا وعقليًا، يبدو أن جميعنا يعاني من أزمات تتعلق بالهُوية وكلنا نعاني من نظرة دونية للذات وإن كانت بدرجات متفاوتة، ناهيك عن الاكتئاب والتفكير في الانتحار إلخ إلخ! أما من الناحية الاجتماعية، فنحن محاطون بأناس أنانيين- وإن كنا أمناء مع أنفسنا- سنعترف أننا منهم. وعندما تضع حشدًا من أناس أنانيين منحصرين حول ذواتهم معًا على كوكب الأرض، فلا حصر ولا نهاية للمشكلات الناتجة! فالخليقة نفسها تئن كما يكتب الرسول بولس في رومية ٨: ٢٢.  نعم الكوارث الطبيعية تحاصرنا: الزلازل، الفيضانات، التسونامي، الأعاصير.. فلا يبدو أن هناك بقعة على الأرض تخلو من كارثة طبيعية. والآن نحن أمام هذا الوباء الذي اجتاح العالم- فيروس كورونا المستجد- والذي أصبح في خلال أيام “حديث الشارع” في كل بقاع الأرض! وفي الوقت الذي أكتب فيه قد مات ٧ آلاف شخص ضحية لهذا الفيروس من دول العالم المختلفة

ولكنك ربما تقول: ولكن الله يبدو وكأنه مستريح في سماه- إن جاز التعبير- ولا يبالي بالمعاناة التي تحدث على الأرض. يستحيل عليّ أن أعبد أو أؤمن بإله مثل هذا! وأنا أوافقك الرأي تمامًا فلا يمكنني أنا أيضًا أن أعبد ذلك الإله! لكن هذا ليس الإله الذي أعبده

الله الذي أعبده هو الإله الذي رأى المأزق الذي أدخل البشر أنفسهم به وعلم أنهم لا يستطيعون أن يخلّصوا أنفسهم. ولم يرض أن يتركنا ندفع ثمن خطايانا ونعاني إلى الأبد، بالرغم من أننا كنا نستحق ذلك! كان ينبغي علينا أن ندفع ثمن خطايانا ولكننا لم نكن نقدر. الشخص الوحيد الذي كان يقدر هو من ظل غير متأثر بحالة الأنوميا والتي أصابت كل شيء وهو الله وحده الكامل المتسامي للزمان والمكان. ولكن كان ينبغي على البشرية أن تدفع ثمن خطيتها. فقام الله بما لا يخطر على بال إنسان! الله صار بشرًا لكي يتحمل عقوبة الخطية عن البشرية ولأنه لم يكن إنسان بشكلٍ كاملٍ فحسب، بل كان الله بشكلٍ كاملٍ أيضًا، كان يقدر أن يموت نيابة عنا وبموته يمنحنا حياة! فمات المسيح الميتة التي كان ينبغي أن نموتها نحن لنقدر أن نحيا الحياة التي كان ينبغي أن يحياها هو. يكتب اللاهوتي جون ستوت

يسوع المسيح هو المُخلِّص الوحيد لأن في شخصه فقط تتحد القدرة مع ما ينبغي أن يكون لأنه هو الله بشكلٍ كامل وإنسان بشكلٍ كامل

إنني أعبد الإله الذي صار بشرًا وبكى عند قبر صديقه لأنه تألم من رؤية الموت وهو يجلب هذا الكم من الحزن والأسى على أحبائه. لكنه لم يتوقف عند هذا، بل أقام لعازر من الموت. ولم يتوقف عند هذا أيضًا بل ذهب للصليب ليُبطل قوة الموت علينا مرة واحدة. تحمل العقوبة وسمَّر الدَّين الذي علينا للصليب. بموته دفع الديَّن، ولكنه لم يبقَ في القبر. بقيامته من الأموات، لم يحل المسيح مشكلة خطايانا السالفة فقط (هامارتيا)، إذ أصفح عنًا قضائيًا، ولكنه قام من الأموات ليحل مشكلة حالة الخطية التي كنا نقيم بها (أنوميا). فبموته أتيحت لنا الفرصة أن نموت عن طبيعتنا الفاسدة معه لنقام معه ثانية إلى جدة الحياة- أي الحياة الجديدة (رومية ٦: ٤). هذه الحياة الجديدة هي ما وصفه يسوع بالميلاد الجديد؛ متنا مع المسيح وولدنا ثانية إلي الحياة الجديدة التي ليست في حالة الخطية (يوحنا ٣: ١- ١٥). لقد شُفينا أنطولوجيًا ويمكننا أن نحيا في هذه الحياة الجديدة

لكن لحظة.. إن كان هذا هو الحال، إذًا لماذا لا يزال يوجد شر في العالم؟ لأن الخليقة لازالت تئن. لكن دعوني أشارك معكم الآيات التي تسبق “الخليقة تئن” والتي كتبها الرسول بولس، مسوقًا من الروح القدس، “إذ أُخضِعَتِ الخَليقَةُ للبُطلِ -ليس طَوْعًا، بل مِنْ أجلِ الّذي أخضَعَها (أي آدم)- علَى الرَّجاءِ، لأنَّ الخَليقَةَ نَفسَها أيضًا ستُعتَقُ مِنْ عُبوديَّةِ الفَسادِ إلَى حُرّيَّةِ مَجدِ أولادِ اللهِ” (رو ٨: ٢٠- ٢١). وهذا ما يُطلق عليه اللاهوتيون المسيحيون “قد تم، ولكن ليس بعد.” مات المسيح؟ نعم. قهر الخطية والموت؟ نعم. هل نتمتع بكل الفوائد أو المميزات الآن؟  لا، ليس بعد. سيتم ذلك عندما “تُعتَقُ (الخليقة) مِنْ عُبوديَّةِ الفَسادِ إلَى حُرّيَّةِ مَجدِ أولادِ اللهِ.” نحن نحيا في الرجاء الحقيقي جدًا الذي يسميه الكتاب المقدس الأرض الجديدة والسماء الجديدة (٢ بط ٣: ١٣، رؤ ٢١: ١)، حيث سيُكمِّلنا الله مرة أخرى ويكمِّل الخليقة بأكملها، وعندئذ “سَيَمسَحُ اللهُ كُلَّ دَمعَةٍ مِنْ (عُيونِننا)، والموتُ لا يكونُ في ما بَعدُ، ولا يكونُ حُزنٌ ولا صُراخٌ ولا وجَعٌ في ما بَعدُ، لأنَّ الأُمورَ الأولَى قد مَضَتْ. وقالَ الجالِسُ علَى العَرشِ: «ها أنا أصنَعُ كُلَّ شَيءٍ جديدًا!» (رؤ ٢١: ٤- ٥). يا له من رجاء حقيقي ومجيد ذلك الذي نشتاق ونتطلع إليه! فحقًا “إنّي أحسِبُ أنَّ آلامَ الزَّمانِ الحاضِرِ لا تُقاسُ بالمَجدِ العَتيدِ أنْ يُستَعلَنَ فينا” (رو ٨: ١٨). إن طالت أو قصرت سنوات حياتنا على الأرض، نستطيع أن نستريح في يقين المعرفة أن المسيح قد أعد لنا- نحن الذين “في المسيح”- منزلًا أبديًا ليس مصنوعًا بأيد بشرية (يو ١٤: ٣)؛ بل وطنًا أبديًا سيجعل هذه الحياة تبدو وكأنها لحيظة من الزمان

فهل سنعاني في مرحلة “ليس بعد” لبقية حياتنا وكأن المسيح لم يُحقق النصرة بعد؟ لا! الخبر السار هو أن المسيح لم يتجسد ويموت نيابة عنا ليتركنا وحدنا ثانية. فقد حقق المسيح بموته على الصليب اتحادًا أنطولوجيًا عجيبًا معنا لدرجة أنه يقول أننا فيه وهو فينا (يوحنا ١٤: ٢٠)! فهو يسكن فينا، ويمنحنا القوة والنعمة والسلام الذين نحتاجهم لنجتاز عواصف الحياة، وهو أيضًا راعينا الصالح الذي يعرفنا بأسمائنا ويقودنا خطوة بخطوة.. فيقول لنا “اتبعني!” فهو لم يحقق لنا ما “قد تم” فقط، بل يسر أمامنا في ما هو “ليس بعد” بل ويسكن فينا ونحن فيه

يا أحبائي، أنا لا أتحدث عن إله بعيد ولكن إله “أخلى نفسه” (في ٢: ٧- ٨) وصار إنسانًا، وسار طريق الألم قبلنا إذا تنبأ عنه إشعياء النبي ” لا صورَةَ لهُ ولا جَمالَ فنَنظُرَ إليهِ، ولا مَنظَرَ فنَشتَهيهُ. مُحتَقَرٌ ومَخذولٌ مِنَ النّاسِ، رَجُلُ أوجاعٍ ومُختَبِرُ الحَزَنِ (إش ٥٣: ٢- ٣). لقد تألم المسيح نيابة عنا، والآن يتألم معنا، إلى أن تنتهي آلامنا بسبب ما حققه بآلامه

ربما لا تكون لدينا كل إجابات “لماذا” في حياتنا، ولا سيما أمام الشر والألم الذي قد يبدو بلا سبب مبرر من وجهة نظرنا المحدودة، لكن لدينا إله جدير بالثقة اللانهائية

أن كررنا السؤال ثانية: لماذا يسمح الله باستمرار الشر والألم (أو بفيروس كورونا المستجد)؟ ونظرنا إلى صليب المسيح، ربما لا نصل إلى إجابة السؤال. ولكننا نصل إلى ما لا يمكن أن تكون عليه الإجابة. لا يمكن أن تكون الإجابة أنه لا يحبنا. لا يمكن أن تكون الإجابة أنه غير مبالي أو مفصول عن أزمتنا. الله يأخذ حُزننا وآلامنا مأخذ الجدية لدرجة أنه تحملها بنفسه

تيموثي كيلر

إذًا يا أحبائي، الإله الذي نعبده حاشا له أن يكون عاجزًا وحاشا له أن يكون شريرًا! إنه كلي القدرة وكلي الصلاح. إنه يريد ويستطيع أن يمنع الشر، ومن فرط حبه، لم يمنعه فحسب، بل قهره إلى المنتهى

اسمحوا لي أن أختم بكلمات الروح القدس على لسان الرسول بولس إلي الكنيسة في كورنثوس عندما وصف الرجاء المجيد الذي نتوق إليه

يُزرَعُ في فسادٍ ويُقامُ في عَدَمِ فسادٍ

يُزرَعُ في هَوانٍ ويُقامُ في مَجدٍ

يُزرَعُ في ضَعفٍ ويُقامُ في قوَّةٍ

١ كو ١٥: ٤٢- ٤٣

*English version available here.

2 replies on “لماذا يسمح إله صالح بفيروس كورونا؟”

Comments are closed.