وسَلامُ اللهِ الّذي يَفوقُ كُلَّ عَقلٍ، يَحفَظُ قُلوبَكُمْ وأفكارَكُمْ في المَسيحِ يَسوعَ (في ٤: ٧).
مش عارفة مين مشاركني الخبرة دي، بس أكثر آية بشوفها على السوشيال ميديا اليومين دول هي الآية دي، اللي ياما الرب استخدمها لتشجيعي في وسط ظروف صعبة زي اللي أغلبنا شاعر بها في عالمنا المتّقد اليومين دول.
بس نفسي أفكّر معاكم بعمق في معنى الآية دي للحظات. هل تطبيقها في حياتي عمليًا يعني اني أعيش مُغيّبة عن الواقع؟ وهل اني أشعر بضيق عميق لكل متألم معناه اني مفتقدة لسلام الله الذي يفوق كل عقل؟ هل لو أنا مش قادرة أختبر نوع السلام ده يبقى في حاجة غلط فيّ؟ أو اني معنديش إيمان كفاية؟
:أعتقد اننا ممكن نبدأ نفكّر في الموضوع ده من خلال ثلاث أسئلة
١) يعني ايه سلام؟ هل هو مُجرد شعور؟
٢) السلام ده المفروض يبقى مبني على ايه؟
٣) هل السلام ده ضد الواقع اللي بعيشه؟
يعني إيه سلام؟ هل هو مُجرد شعور؟ كلمة “سلام“ في معناها في اللغات الأصلية هي حالة من التناغم والانسجام العميق. المشكلة بتيجي لما بنسطّح معنى كلمة سلام لمجرد مشاعر اللي سهل أوي انها تطلع وتنزل لأسباب كثير أوي جوانا وبرانا. فلو فهمت ان “سلام الله الذي يفوق كل عقل” مجرد مشاعر أو حالة مزاجية، سهل اني أشعر بالعجز لما الظروف تقود مشاعري لمكان بعيد عن “الإحساس” ده. لكن لو السلام حالة من التناغم والانسجام والاتساق مع نفسي ومع ربنا.. بيقبى اختبار النوع ده من السلام معقول أكثر في وسط الظروف الصعبة.
طيب بس المفروض اختبر السلام ده ازاي.. هو مبني على إيه؟ أشجعكم ان دائمًا لما نكون قدام نص كتابي (خاصًة الآيات اللي بنكون حافظينها) اننا نرجع للقرينة بتاعة الآية، يعني باختصار الأعداد اللي جت قبلها وبعدها في الكتاب المُقدس. فلو رجعنا للعدد اللي قبل الآية بتاعتنا، نقرأ:
لا تهتَمّوا بشَيءٍ، بل في كُلِّ شَيءٍ بالصَّلاةِ والدُّعاءِ مع الشُّكرِ، لتُعلَمْ طِلباتُكُمْ لَدَى اللهِ. (في ٤: ٦)
خلينا نقرأ المقطع على بعض وفكر وانت بتقرأه لو في حاجة نوّرت:
لا تهتَمّوا بشَيءٍ، بل في كُلِّ شَيءٍ بالصَّلاةِ والدُّعاءِ مع الشُّكرِ، لتُعلَمْ طِلباتُكُمْ لَدَى اللهِ. وسَلامُ اللهِ الّذي يَفوقُ كُلَّ عَقلٍ، يَحفَظُ قُلوبَكُمْ وأفكارَكُمْ في المَسيحِ يَسوعَ. (في ٤: ٦- ٧).
أخذتوا بالكم امتى الرسول بولس بيكتب اني هاختبر النوع ده من السلام؟ لما أعمل إيه؟ لما “تُعلم طلباتكم عند الله.” ده معناه إيه؟ أعتقد ان معناه اني لما أصلي للأمور اللي شايلة همها، ساعتها هختبر الاتصال والتناغم مع الله واني مش لوحدي في الصراع اللي بعدي به لكن معايا رب قدير بيحبني بأقصى درجات الحب الممكنة. ساعتها… بناءً على ثقتي في إلهي كلي القدرة وكلي المحبة، أقدر أختبر سلام الله الذي يفوق كل عقل في أعماقي، حتى لو مشاعري بتطلع وتنزل.
وأعتقد ممكن تكونوا خمنتوا الإجابة للسؤال الثالث والأخير اللي أحب نفكر فيه مع بعض. هل سلام الله الذي يفوق كل عقل ده ضد الواقع؟ هل مطلوب مني اني أكون مُغيبة عن الواقع المؤلم علشان أختبر النوع ده من السلام؟ الرسول يوحنا بيسجل لنا خبرة يسوع عند قبر لعازر ببراعة. لما يسوع اتواجه بألم موت صديقه لعازر ولما اتواجه مع قساوة وبشاعة الموت كشَر دخيل على الكون اللي خلقه، يسجل لنا يوحنا الكلمات دي عن يسوع: “انزَعَجَ بالرّوحِ واضطَرَبَ” (يو ١١: ٣٣) والتعبير ده أشد بكثير في اللغة اليونانية الأصلية ويحمل كمان غضب ضد الشر والألم اللي عكس تمامًا تصميم الله للكون. فسؤالي لكم: هل يسوع كان يشعر بالسلام على مستوى المشاعر في الوقت ده؟ أعتقد صعب نقول كده. لكنه أكيد لم-ومن المستحيل أن- يفقد حالة التناغم و”السلام” مع الله أبيه. علشان كده برغم انزعاجه، برغم اضطرابه، برغم غضبه، برغم بكاءه، صلى الكلمات الرائعة “أيها الآب، أشكرك لأنك سمعت لي، وأنا علمت أنك في كل حين تسمع لي” (يو ١١: ١٤). حاشا ليسوع أن يكون قد تغيّب عن الواقع ليختبر السلام مع أبيه. تألم يسوع، غضب يسوع، اضطرب يسوع، انزعج يسوع، بكى يسوع، لكن وثق في أبيه القادر أن يُقيم الموتى علشان كده استمتع بعلاقة سلام تفوق العقل. أعتقد أن إبراهيم اختبر سلام وإيمان ويقين مُشابه لمّا واجه وعد الله أمام استحالة قدرته وقدرة سارة على الإنجاب، علشان كده الرسول بولس بيكتب لنا ان إبراهيم: “علَى خِلافِ الرَّجاءِ، آمَنَ علَى الرَّجاءِ.. وتَيَقَّنَ أنَّ ما وعَدَ بهِ هو قادِرٌ أنْ يَفعَلهُ أيضًا” (رو ٤: ٢١، ٨١). إبراهيم مكانش مُغيب عن استحالة الموقف، لكنه وازن ما بين الحقيقة دي وحقيقة ان مفيش مستحيل “أمامَ اللهِ الّذي آمَنَ بهِ، الّذي يُحيي الموتَى، ويَدعو الأشياءَ غَيرَ المَوْجودَةِ كأنَّها مَوْجودَة” (رو ٤: ٧١) فبناءً على إعمال عقله، كان عنده يقين الإيمان الرهيب ده، والرجاء والسلام العجيب اللي فعلًا يفوق كل عقل لأن إلهه وإلهنا يفوق كل عقل في قدرته ومحبته.
فلو رجعنا لسؤالنا الأصلي في ضوء الضغطة اللي كلنا شاعرين بها، هل مطلوب مننا اننا لو عندنا “سلام الله الذي يفوق كل عقل” ان احنا نفقد الإحساس بالواقع المؤلم والمتألمين ونشعر بنوع من المشاعر السعيدة المغيّبة عن الواقع؟ أكيد لا. أكثر شخص المفروض نكون بنقلده مشي في وسط الألم وكان بيتحنن على الناس ويبكي معاهم، واجتاز كل ألم علشان يقدر يحس بألمنا ويعيننا في وقت الألم: “لأنَّهُ في ما هو قد تألَّمَ مُجَرَّبًا يَقدِرُ أنْ يُعينَ المُجَرَّبينَ” (عب ٢: ٨١).
صديقي، صديقتي: اشعر بحرية انك تشعر بالألم مع المتألمين زي يسوع لكن كمان زي يسوع تمسك بأبوك السماوي وسط الألم و”لتُعلم طلباتكم لدى الله”.. ساعتها هتختبر المعنى الحقيقي لسلام الله الذي يفوق كل عقل.
الرب يبارككم ويحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع.